
جيلان العيسى
لا شك أن الإجرام تاريخيا مرتبط بالأنظمة عموما، سواء غربية أو شرقية، لكن ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من انتهاكات مستمرة بحق الإنسان، يبدو غربيا من حيث الكم والنوع، ولا يتشابه مع كل الجرائم التي ارتكبت سواء عندما كانت المنطقة خاضعة للاستعمار أو متحاربة مع بعضها البعض.
ما معنى أن يقتل طفل لأنه يكتب شعارات مناوئة للنظام، كما في حالة الطفل حمزة الخطيب في سوريا الذي كان الاسم البارز الذي تتالى بعده قتل الأطفال باستسهال ودون توقف؟! وما معنى الاعتقالات التعسفية التي ترتكبها جميع أنظمة الشرق الأوسط تحت حجج بعيدة كل البعد عن المنطق الإنساني؟!
اشتهر نظام صدام حسين في العراق بوحشيته ضد قمع شعبه، لدرجة أنه متهم باستخدام الكيماوي، كما فعل نظام الأسد بحق شعبه هو الآخر، لكن وبعد أن سقط النظام العراقي، ذهبت الأمور إلى الجحيم بشكل أكبر مما كانت عليه، وزادت وحشية الحاكم المتعدد الأوجه ضد الإنسان في هذه البلاد، وكأن هناك ثقافة متأصلة في قيادة المجتمع عن أسلوب الحكم داخل المنطقة ” اقتل اقتل اقتل وإذا نجحت في السيطرة، واستوليت على الحكم، لا مانع أن تستمر في القتل”.
البحث عن جوهر المشكلة، يكمن في البحث عن معرفة جوهر السياسة في الشرق الأوسط، سواء كان هذا الذي يحكم أب أو سلطة، يختصر جوليان فرند جوهر السياسة في الإنسان فيما اصطلح على تسميته “بعلاقة الأمر والطاعة” في الداخل، و”علاقة الصديق والعدو” في الخارج.
ما يحدث داخل الشرق الأوسط من إمعان في الإجرام بحق الإنسان يخالف ما يعرفه جوليان فرند، فأنظمة الشرق الأوسط التي قتلت الشابة الإيرانية “مهسا أميني”، لا تتعامل مع شعوبها ضمن علاقة الأمر والطاعة، ولا حتى ضمن علاقة الصديق والعدو، لأن الجرائم التي ترتكب تخالف المعايير التاريخية في تشريع هذه الجرائم حتى بحق العدو!
وتبدو تركيا استثناء في الشرق الأوسط، من حيث ارتكاب الجرائم بحق شعبها، خصوصا في العقدين الآخرين، لأن ما حدث من انتهاكات بحق الإنسان في سنوات خلت يتشابه إلى حد ما مع ما يجري حتى الآن في كل الدول العربية وإيران مثلاً، لكن من خلال البحث أكثر داخل النظام الاجتماعي في هذا البلد الذي يتقدم على غيره من دول الشرق الأوسط بأشواط، إلا أننا نلاحظ عدة إشكاليات في بنية المجتمع وحتى في بنية النظام السياسي أيضا، حيث لا تتقبل هذه الدوائر أيا من منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، وربما ما واجهته منظمة “سنوقف قتل الإناث” من ملاحقات بهدف إغلاقها، دليل على محاولات خفض أصوات من ينادي بحقوق الإنسان، هذه الجمعية كانت تكشف شهريا أعداد مروعة من الجرائم المرتكبة بحق النساء لأسباب متنوعة، ويكفي أن نعرف الأسباب والظروف التي أحاطت بتشكيل هذه الجمعية لنعرف ماذا يجري حتى في البلدان التي تتقدم عن غيرها في مراعاة حقوق الإنسان، حيث أن هذه الجمعية تشكلت في 2010، واكتسبت شهرتها بعد أن لفتت انتباه الشعب التركي إلى قضية الشابة مونيفر كارابولوت التي قتلت على يد صديقها ابن العائلة الثرية، قبل أن يتم تقطيعها إلى أشلاء ورميها بالقرب من حاوية القمامة، وحينها لم يسلم القاتل نفسه إلا بعد إثارة الموضوع بأشهر، في ما يؤشر أن حقوق الإنسان تباع وتشترى حتى في حال تطبيق بعض معايير حقوق الإنسان.
مهسا أميني، تضاف إلى الذاكرة المليئة بالجرائم داخل الشرق الأوسط، وهي واحدة من الأسماء التي عرفت ضمن ظروف لم تتمكن السلطات في إيران ضبط تداعياتها، كون مجرد انتشار القصة ليس مهما لتلك الأنظمة، وإنما المهم لديها آلا يكون لها تداعيات تحرك الشارع، وما خفي كان أعظم. بدء من الأسرة، وانتهاءً بالأنظمة.