
جيلان العيسى
هرول معي إلى “تك توك” كعادتك، لا كعادتي، مرر إصبعك على شاشتك الصغيرة، قلب في ذاك المحتوى. الآن توقف. هل ترى صورا لنساء شرقيات؟ لكنهن (الصور) متسخات، ضبابيات، تبدو فيهن عدسة الكاميرا متسخة أو مكسورة؟ اصبر قليلا ريثما تتضح الرؤية، لا تتعجل كعادتك المكتسبة أو ربما التي عززها “تيك توك”، ها هي تتضح الصورة شيئا فشيئا.. انهن فتيات حسناوات بملامح شرقية تغزوها الفتنة والشهوانية.
نعم، هي مجرد خدعة تقنية لمواكبة الـ”ترند” العالمي على تيك توك “Arabian nights”. لتبدو به عيون المرأة العربية أكثر جمالا.. بل أكثر إثارة بعد أن كانت، وقبل لحظات قليلة فقط: تبدو أنثى مشوشة، تملؤ معالمها الدهشة والغرابة!
هذا الـ”ترند” المعاصر على منصة تيك توك العالمية يبدو لي بعيون غربية ولو أن تلك العيون اللاهية فيه، شرقية. ألا يحق لي كامرأة شرقية وسم هذا المحتوى بأفكار الاستشراق السطحية التي تبديني كامرأة في نظر المستشرق أهوي إلى ما لا نهاية في الغموض والغرابة، في رمال متحركة تبتلع مفاتني لا مناقبي بينما بطل القصة وبطلي رجل غربي يُطل عليّ من برجه الشاهق يرمي لي بيده اليمنى كمخلّص قد حان لي أن أُسلمه يداي، أقول في نفسي وأنا “هاوية”: قد آن لي أن أُنتشل من غرقي من تعثري من تلعثمي.. وأُذكر نفسي مرارا بينما الرمال تشدني إليها أن يد البطل الغربي (منتشلتي) ترنو إلى فتنة العيون وغواية الشرق!
لكم في نقد تحفظاتي هذه، العودة إلى “ريبانزا-Rapunzel” الحسناء الشهيرة في الرسوم المتحركة المخصصة للأطفال، حيث لها هذه الجميلة الغربية شعر ذهبي طويل “يسافر في كل الدنيا” لا للغواية والإمتاع، بل لتقصه في لحظة تضحية وتعقده على جنبات القلعة الموحشة كي تخلّص به، نفسها والأمير النبيل، الذي علق معها أعلى القلعة الشريرة. من هنا، نعم فقط من هنا، تنطلق تنشئة الأطفال لفهم قدرة الحسناء أيضا على النهوض بالأمير وبملكه وصولا لعائلته.
ولكم في نقدي أيضا، القول: هذه (تيك توك) منصة العوام لا تعبر بالضرورة عن حالة حقيقية لها تجلياتها على السطح؟
لكن لطالما أكدت أبحاث مستشرقة، أن عوام الغرب لا يقبل إنتاج معلومات جديدة عن الشرق والشرقيات، بل يفضل دائما الصورة النمطية عنا، التي يُحفزها غالبا العنف ثم الجنس..
لا جديد إن قلت لكم: إن، العربية والعربي يرتبطان في السينما والتلفاز الغربي: بالفسق والانحلال، أو بالطاقة الجنسية المفرطة. لكن تكريس هذه الصورة لسنين طويلة جعل منها مستهلكة من العرب أنفسهم أيضا، خصوصا إذا ما اتسمت هذه الصورة بالبحث عن السحر والرومانسية وتناسبت مع معايير الاستهلاك الغربي.
وبطبيعة الحال.. هنالك الكثير ممن يقف ضد هذا التوصيف ويراه مبالغا فيه بشدة، فهو “مجرد ترند تيك توك يُظهر جمال العيون العربية”. ويقف جزئيا مع هذا الرأي بحاثون غربيون يشددون دائما وبقوة على أن “الصورة النمطية، كثقافة شعبية، تأتي فقط من غير المتعلمين أو من أشباه المتعلمين، وربما أحيانا من مشجعي كرة القدم الهمجيين بحسب وصفهم. بينما مناقشة أو تغيير وجهة نظر المثقفين والعارفين أسهل دائما من إقناع العوام الذي يسيطر عليهم الإعلام الجماهيري.
ولأن الشيء يذكر بالشيء، هل تعلم يا عزيزي القارئ أن، الشاعر الفرنسي الشهير “جيرارد دي نيرفال” صاحب كتاب رحلة إلى الشرق “voyage en orient” زار سوريا عام ١٨٤٨ لكنه وصف مصر في كتابه الشهير جدا بدل أن يصف سوريا!
لأنه ببساطة كان متأثرا بكتابات إدوارد لين عن مصر، ومن شدة إعجابه بها ربما تحولت بالنسبة له كمرجعية رئيسية لكل المشرق.. لدرجة أنه تجاهل حواسه الخمس في سوريا وراح يصف مصر بدلا عنها! فهكذا هي أثر الصور المكرسة حتى لو كانت مجرد “ترند”. إلا أن من يقلل من شأن المسألة يعتبر الـ”ترند” ومحتواه يدل على الأشخاص الذين أنتجوه وروجوه أكثر ما يدل على الشرق والمشرقيات.
وتبقى الإشكالية في قوة التواجد العربي على منصة اليافعين “تيك توك” وقدرتهم على طرح “ترندات” مختلفة قد تحرر المرأة الشرقية من القيد الشهواني وإلا قيّدتها وقيّدتنا أطروحات المؤرخ الفرنسي إيرنست رينان الذي يرى وبشكل ما، أن، إذا ما أراد الغرب فهمنا ينبغي أن يُقلصنا جميعا إلى الخيمة والقبيلة أولا. بينما-وهنا أقتبس من المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد- الاستعمار، والظروف العالمية، والتطور التاريخي، تصبح كعوامل لفهمنا: كذباب لصبية عابثين.
من هذا كله وجب القول: في تقليص المرأة الشرقية، تهوي بها مجتمعاتها. ليكون الغربي وحده مخلّصها من مذاقه فقط، وكيف تأثر بدوره بصورتها النمطية المدفوعة. بينما، للحسناء الغربية وحدها، يبقى لها عُلوّها، عطاؤها وتضحياتها، وإن امتلكت شعرا من ذهب، سيبقى رمزا لنهضة المجتمع لا دلالة على فتنتها.