الرئيسيةسياسة

زيارة الشرع إلى الإمارات: بداية نهاية العزلة السورية؟

بين بوابة الخليج ورسائل الغرب... هل تمهّد أبوظبي لعودة سوريا إلى الساحة الدولية؟

جوان إبراهيم

في توقيت حساس… دلالة الزيارة وسياقها السياسي

في لحظة مفصلية من التاريخ السوري الحديث، جاءت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى دولة الإمارات العربية المتحدة كعلامة فارقة تحمل في طياتها الكثير من الدلالات السياسية والاقتصادية، وربما حتى الاستراتيجية. فالرجل الذي تولى قيادة البلاد بعد سقوط النظام السابق، يقود اليوم مرحلة دقيقة من التحول الوطني، يحاول من خلالها إعادة تموضع سوريا في خارطة العلاقات الإقليمية والدولية، بعد أكثر من عقد من العزلة والصراع. وقد لا يكون الجديد في الزيارة هو الإعلان عنها، بل ما لم يُعلَن بعد من تفاهمات ضمنية ورمزية تمرّ عبر لغة الجغرافيا السياسية.

أبوظبي والشرع: حفاوة رسمية تحمل رسائل ما بين السطور

ما يجعل هذه الزيارة بالغة الأهمية ليس فقط توقيتها السياسي، بل السياق الذي جاءت فيه؛ فهي تأتي بعد زيارات مماثلة إلى الرياض، ووسط انفتاح عربي غير مسبوق على دمشق. وقد سبقتها زيارة لافتة لأمير قطر إلى العاصمة السورية، في مؤشر إضافي على تبدّل المزاج الإقليمي تجاه القيادة الجديدة. وفي حالة الإمارات تحديدًا، فإن الرسائل لم تكن موجّهة فقط إلى الداخل السوري أو المحيط العربي، بل إلى المجتمع الدولي الذي يتابع تحولات دمشق بعين مترقبة.

لماذا تكتسب الإمارات أهمية خاصة في المشهد السوري الجديد؟

الإمارات، التي اتسمت مواقفها بالحذر الشديد تجاه الإسلام السياسي، خصوصًا في مرحلة ما بعد الربيع العربي، قررت هذه المرة استقبال الرئيس السوري الجديد بحفاوة رسمية لافتة، في مشهد يعكس استعدادها لإعادة فتح صفحة جديدة في العلاقة مع دمشق. ومن هنا، فإن اللقاء الذي جمع الشرع بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان لم يكن بروتوكوليًا عابرًا، بل حمل في طياته رسائل سياسية تتجاوز الإطار الثنائي.

البوابة الخليجية: مفتاح سوري لاستعادة التوازن الاقتصادي

وتكتسب زيارة الإمارات أهمية خاصة كونها دولة ذات ثقل دبلوماسي وعلاقات دولية مؤثرة، لا سيما مع الغرب. فالإمارات، بعلاقاتها الاستراتيجية مع العواصم الغربية، تمتلك قدرة ملموسة على لعب دور الوسيط والمسهّل في ملفات معقدة مثل تخفيف العقوبات أو إعادة دمج سوريا في النظام الإقليمي والدولي. كما أن انخراطها النشط يُعد بمثابة شراكة استراتيجية مرنة، تمنح دمشق فرصة لإعادة التموضع ضمن تحالفات أكثر توازنًا وواقعية.

العقوبات الغربية… هل تلعب الإمارات دور الوسيط الدولي؟

تسعى سوريا إلى كسر الطوق الدبلوماسي والاقتصادي المفروض عليها منذ عام 2011، وتعلم أن بوابة الخليج قد تكون مدخلًا ضروريًا لاستعادة التوازن الاقتصادي الذي افتقدته البلاد خلال سنوات الحرب. في المقابل، تدرك الدول الخليجية أن بقاء سوريا في دائرة الانهيار يفتح الباب مجددًا أمام التمدد الإيراني أو عودة التنظيمات المتطرفة، وهو ما تسعى جاهدة لتفاديه.

من هذا المنطلق، فإن زيارة الشرع لأبوظبي تُعد خطوة استراتيجية قد تُتوَّج بإعادة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، وربما بضخ استثمارات خليجية في مشاريع إعادة الإعمار، شريطة أن تبدي دمشق التزامًا حقيقيًا بالإصلاح والاستقرار.

نافذة الفرص: كيف تبني دمشق جسور الثقة من جديد؟

لكن الأهم، وربما الأكثر تعقيدًا، هو ملف العقوبات الغربية المفروضة على سوريا. فالدول الخليجية، وفي مقدمتها الإمارات، قد تلعب دورًا محوريًا في التوسط لدى الولايات المتحدة وأوروبا لتخفيف تلك العقوبات، خصوصًا إذا ما نجحت القيادة السورية الجديدة في تقديم نفسها كشريك موثوق، بعيدًا عن أجندات التشدد أو التحالفات التي أثارت ريبة المجتمع الدولي.

إن استعادة سوريا لعافيتها الاقتصادية والسياسية لن تكون مهمة سهلة، لكنها اليوم تملك نافذة حقيقية لإعادة بناء الثقة مع محيطها العربي، انطلاقًا من مواقف واضحة، وبتحركات دبلوماسية موزونة كزيارة الشرع للإمارات. هذه النافذة، إن أُحسن استثمارها، قد تفتح الباب أمام مرحلة جديدة تتجاوز فيها سوريا عزلتها وتبدأ رحلة التعافي بدعم عربي أصيل.

وإذا كانت هذه الخطوة قد لاقت ترحيبًا حذرًا، فإن المستقبل مرهون بقدرة القيادة الجديدة على إثبات جدارتها السياسية ومهنيتها في إدارة ملفات الداخل والخارج على السواء. فالعواصم لا تُفتَح بالأمنيات، بل تُقترب بثقة تُبنى ببطء، وتحسمها القرارات لا النوايا. والشرع يدرك أن ما بعد الصورة التذكارية يبدأ الامتحان الحقيقي.

خلاصة مفتوحة على الاحتمالات

إذا نجحت هذه الزيارة في تحقيق أهدافها المرجوة، فلن تكون مجرد لقاء دبلوماسي ناجح، بل نقطة تحوّل قد تسهم في تثبيت الإدارة الجديدة في دمشق وتعويمها على المستويين الإقليمي والدولي، بما يفتح الطريق لانفراجات تدريجية في ملف العقوبات والعلاقات الخارجية. أما إذا جاءت نتائجها باهتة أو دون التوقعات، فإن الزيارة قد تُسجَّل كفرصة ضائعة، ويظل الوضع السوري في حالة من الانتظار الثقيل، حيث لا تغيّر ميداني ولا حراك دبلوماسي قادر على كسر الجمود.

زر الذهاب إلى الأعلى